عند بداية القرن العشرين كان يعمل حوالى 60% من السكان فى الارض, وذلك فى اوروبا
والولايات المتحدة وغالبية البلاد. وفى نهاية الحرب العالمية الثانية كان النسبة قريبة من 40%. اليوم فى الولايات
المتحدة اقل من 2% من السكان فلاحون. وفى معظم البلدان ا
لاوروبية يقترب الرقم من 2%, حيث لايزال الضغط جاريا على الفلاح حتى ينسحب مستسلما.
الان حينما يقال ان فى الاقتصاد الحديث 2% فقط من السكان قادرون على اطعام مجموع السكان,
فى مقابل 60% او 40% فيما سبق, فان ذلك اما ان يكون وهما او ان يكون كذبا مبنى على
مقارنة خاطئة من الاساس! فى السياق العام للاقتصاد, كان الفلاح القديم يمثل نظاما كاملا لانتاج وتوزيع
الغذاء. وايضا كان هذا الفلاح يعتبر منتجا للمواد الاولية التى يحتاجها لتشغيل هذا النظام. كان يحافظ
على خصوبة تربته بالروث العضوى, وتبادل زراعة المحاصيل, او زراعة نوعين مصاحبين فى نفس الوقت,
او تسميدها بالروث الاخضر, او تغطية الارض بالاعشاب الجافة او المخمرة,
او اراحتها بدون زراعة لمدة موسم. كان ينتقى بذوره من افضل ما جاء به محصوله. وكانت حيوانات
الجر توفر له الطاقة, وكذلك الرياح او قوة اندفاع الماء توفر الطاقة لطاحونته. كانت كلها اشكال من الطاقة الشمسية.
ومعظم ما كان ينتجه الفلاح, كان يكاد يذهب الى ايدى المستهلكين مباشرة فى الاسواق الاسبوعية.
ولكن فلاح اليوم ليس الا سن صغير فى ترس من تروس بنية تحتية هائلة, لبنيان تكنوقراطى يحتاج دائما
الى تشريعات خاصة ودعم مالى كثيف. مقارنة باسلافه الغابرين الذين كانوا يصنعون بانفسهم
كل شئ تقريبا لانتاج وزراعة وتوزيع الغذاء, فلاح اليوم ليس اكثر من سائق جرار او ولد يحمل على اكتافه
آلة رش المبيدات. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت المانيا قد دمرت بالكامل. وكان مشروع مارشال حقا ذا فائدة!
ولكن الحقيقة الاهم, ان اهل المدن هاموا على وجوههم فى القرى طلبا لسد الرمق من الجوع, وكانوا
يقايضون اى شئ ذى قيمة ساعة مثلا او خاتما او بيانو مقابل كمية من الطعام. كان الفلاح وقتها يمتلك الطعام,
كان لديهم الغلال وكان لديهم البقول والبطاطس والخضروات والفواكه واللبن والجبن
والدجاج والاوز واغذية اخرى كثيرة. ولن نحتاج الى الحرب اليوم لنضع المزارعين الاوروبيين فى
موقف مماثل, لينطلقوا هائمين على اوجههم بحثا عما يسد رمقهم. ولكن عندما تقع الواقعة الى
اين سيتوجه هؤلاء المساكين؟ لن يتطلب الامر سقوط ولو قنبلة واحدة لتقع الواقعة! انهيار الطاقة
والمواصلات خصوصا مواصلات الاسمدة المعدنية وطعام الماشية وانهيار البنوك والاتصالات وشبكات الكمبيوتر
سيؤدى الى حدوث الواقعة. والمدهش ان القوة العسكرية لن يكون لها فى هذا الامر ناقة
ولا جمل! ان الامن القومى يعتمد بشكل جوهرى على زراعة صحية ومستدامة.